أخر الاخبار

المنتخب .. ما بعد خليلودزيتش

خليلودزيتش
رئيس الجامعة مع الناخب السابق | © الزمامرة 24

المنتخب .. ما بعد خليلودزيتش


القرارات السليمة، حتى وإن تأخر اتخاذها، تستحق الإشادة بها. ويصح ذلك في قرار الانفصال عن الناخب السابق وحيد خاليلوزيتش.

المنتخب الوطني؛ أي منتخب في العالم، يحتاج إلى قائد، وليس إلى مسؤول عن إدارة لاعبين، وحسب. وهنالك فرق شاسع جدا بين الاثنين. فالأول يمكنه أن يدبر الاختلافات، وحتى الخلافات، ويذوب الفوارق، ويصنع كتلة تحبه، وتؤمن بفكرته، فتصبح دائمة التأهب كي تقاتل معه. أما الثاني، فحتى وإن كان ناجحا لبعض الوقت، فنجاحه لا يتجاوز مستوى الإنجاز المقبول إلى الإنجاز التاريخي الأسطوري. ذلك أنه يدير مجموعة من اللاعبين بحنكة، فقط لأنه يملك الأدوات التقنية اللازمة، وربما العناصر المتميزة، من دون أن يصل إلى تكوين مجموعة ملتحمة.


مع الأسف الشديد، فوحيد خاليلوزيتش، الذي أهل منتخبات المغرب والجزائر وكوت ديفوار واليابان إلى كأس العالم، من الصنف الثاني. فهو يملك الأدوات التقنية، أو لنقل هو يعرفها جيدا، ويستطيع، بفضل وجود عناصر متميزة، أن يطبقها في الملعب، ويفوز، ويتأهل. غير أنه لا يرقى إلى تشكيل مجموعة تستطيع المضي بعيدا جدا، في الزمان والإنجاز معا. والدليل أنه غيَّر تشكيلة المنتخب ألف مرة، ووقع في مشاكل مع عدد كبير من اللاعبين، وقال كلاما سيئا عن كرتنا الوطنية، بل وحتى عن الجمهور، مع أنه لم يصل إلى درجة يصير معه "محبوب الجماهير"، فتغفر له زلاته مهما فعل.


لندقق قليلا، حتى يتضح الأمر. فمن جهة، ظهر المنتخب الوطني المغربي، الذي لعب جل مباريات التصفيات في المغرب، بفعل ظروف كوفيد وغيرها، مهلهلا في أغلب الأحيان، وبدون كاريزما، وبلا عميد متصل ووازن الحضور في الميدان، بل إنه كان يظهر بتشكيلات متغيرة باستمرار، مما جعل الجماهير تأسى للأداء غير المقنع، في أغلب الأحيان، أكثر من تركيزها على النتيجة، التي كانت هي الفوز في معظم المباريات.


والمشكلة أن خطط اللعب، من اختيار وحيد خاليلوتيش، لم تكن هي السبب الوحيد الذي نتج عنه ذلك، بل حتى تصرفاته إزاء اللاعبين. ذلك أن الرجل خاصم كلا من حكيم زياش ونصير المزراوي وعبدالرزاق حمد الله، مما ضيع على الأسود طاقات هائلة، واضطر القائمين على المنتخب الوطني كي يبذلوا الجهود حيث لا ينبغي، لكي يصلحوا ما لا يفترض أن يكون بحاجة إلى الإصلاح، ألا وهو العلاقة بين ناخب وطني ولاعبيه. أليس من ضمن مهام الناخب أن يخلق مجموعة منسجمة، يجمعها الحب والاحترام؟


وليت الأمر وقف عند هذا الحد، لكان التغاضي ممكنا. بل إن الرجل خاصم حتى الجماهير وأهل الإعلام، والشواهد على ذلك كثيرة. وهذا ما صعب عليه المهام التي جاء لأجلها، مثلما وضع القائمين على تدبير شؤون كرة القدم المغربية في مواقف حرجة. وعندما يخاصم مدرب ما الجماهير وأهل الإعلام، يكون قد وضع نفسه، وبالتالي، عمله، في مأزق كبير، يصعب الخروج منه، مهما كانت النتيجة في نهاية المطاف.


لننس، إذن، وحيد خاليلوزيتش، ونفكر في المستقبل. فهناك الآن رهان كبير أمام المنتخب الوطني لكرة القدم، ألا وهو حضوره في مونديال قطر 2022. ثم إن ما بعد المونديال له أهميته أيضا، ويحتاج إلى الشعور بالطمأنينة والأمل الكبير في تحقيق نتائج جيدة، ذلك أن الجماهير، التي تفاعلت إيجابيا، مع قرار الانفصال عن الناخب السابق، سرعان ما راحت تتشوف إلى كأس إفريقيا المقبل بكوت ديفوار، وكلها أمل في أن يعيد الأسود إنجاز سنة 1976 بإثيوبيا، عبر الفوز بالكأس الإفريقية. وهذه الجماهير تدرك جيدا أن المنتخب الوطني بإمكانه ذلك، في ظل قيادة كاريزمية، تملك القدرة على خلق مجموعة قوية، متفانية، لديها رغبة في الفوز، وطموح كبير في التألق.


إن قدر المنتخب الوطني لكرة القدم، وبشكل عام قدر الكرة والرياضة في المغرب، هو النجاح، وليس أي شيء آخر. من هنا، فإن الحديث عن المستقبل يبدو أهم من أي حديث آخر، مهما بدا ملحا. والانهماك في بناء تشكيلة قوية، ومنسجمة، وعلى قلب رجل واحد، وبشخصية واثقة، تتمثل "تمغربيت" في كل أبعادها، وترنو إلى التألق، ومنافسة الكبار لتكون للمغرب مكانته الطبيعية معهم، هو المشروع المتعين الاشتغال عليه من الآن فصاعدا.


لقد بعثت لنا الجماهير، وهي تأتي لتشجيع لبؤات الأطلس بكل حماس ومحبة، رسالتها العميقة، التي مفادها أنها ستبقى دائما وأبدا وراء منتخباتها، وكرتها، ورياضتها، مهما حدث. وقالت لنا، ما بين سطور الرسالة، إنها تطلب شيئا واحدا لا غير، وهو حقها في الفرجة، والفرح، وروح الأمل في الفوز بالألقاب. وهي رسالة تحتاج منا إلى تمثلها باستمرار، والرد عليها في كل وقت، لغرض استثمار ذلك الحماس وتلك المحبة إيجابيا، ولفائدة كرتنا ورياضتنا وجماهيرنا معا.


هنالك تمثل غير صائب لدى البعض إزاء كرتنا. وهو القول إنها لا تتوفر على تاريخ كبير، لأنها فقيرة من حيث الألقاب. والحال أنها بتاريخ عظيم، حتى وإن عزت ألقابها. فالفارق شاسع جدا بين أن يكون لك تاريخ وتكون صاحب ألقاب. وقد تكون كسبت العديد من الألقاب، غير أنها لا ترقى إلى أن تشكل لك تاريخا كبيرا. والدليل على ذلك يمكن استشعاره من الحديث عن مسار الكرة المغربية من بداياتها في مستهل القرن العشرين، ودورها في معركة التحرير والاستقلال، وإسهامها في تشكيل الوعي الوطني، وريادة أيقوناتها على المستوى الدولي.


إن مجرد الحديث عن الأسطورة العربي بنمبارك يعد شأنا عظيما. وعندما كانت قناة الرياضية تعد وثائقيا عن الجوهرة السوداء، بين إسبانيا وفرنسا (عبد الهادي رازقو وأحمد مدفاعي)، بالغ إسباني دموعه وهو يتحدث عن الحاج العربي بنمبارك. وأكد محللون بأن هذا اللاعب الفريد من نوعه كان له الفضل في تنبه الإسبان إلى ضرورة الاستعانة بلاعبين موهوبين من خارج أوروبا. ويكفي أن يقول بيلي، المذهل، يوما، إنه لا يستحق لقب ملك الكرة ما دام العربي بنمبارك حيا.


وفي السياق، يمكن كتابة صفحات مجيدة عن أيقونات كروية أخرى، مثل سالم دندون، وعبدالرحمن بلمحجوب، والتيباري، وحسن أقصبي، وإبراهيم طاطوم، ونجوم آخرون من الجيل الأول والثاني والثالث، ملأوا الدنيا وشغلوا الناس. وكم سيكون مفيدا، وذا مغزى بالنسبة إلى الجماهير، أن يكتب هذا التاريخ بمستقبل جميل ومضيء للكرة المغربية. ومن ثم سيكون الجواب الأمثل على رسالة الحماس والمحبة من جماهيرنا.


من هنا بداية المشروع لبناء منتخب قوي مستقبلا. فالجماهير تنتظر الجواب على أحر من الجمر. وما على القائد الجديد سوى أن يتمثل تاريخ الكرة المغربية، وحاجتها إلى ألقاب، ليكتب الرد.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-